منتديات تابلاط أون لاين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
إذا أعجبك هذا الموضوع لا تنسى تقييمه عبر زر الإعجاب لـ فايسبوك هنا

 

 خميس الخياطي : وتسقط المعرفة في المزاد العلني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
تابلاط أون لاين
المدير العام
المدير العام
تابلاط أون لاين


ذكر غير ذلك
عدد المساهمات : 1124
نقاط التميز : 8391
السٌّمعَة : 23

خميس الخياطي : وتسقط المعرفة في المزاد العلني Empty
مُساهمةموضوع: خميس الخياطي : وتسقط المعرفة في المزاد العلني   خميس الخياطي : وتسقط المعرفة في المزاد العلني I_icon_minitimeالجمعة 14 يناير 2011 - 20:08

خميس الخياطي ـ لا اعرف أين قرأت هذه النادرة ومتى... ولكن، انطبعت فصولها في خاطري منذ سنين وتثبتت حقيقتها بمرور الزمن ومعاينة ما ألت إليه الثقافة أو ما يسمى هكذا في محيطنا العربي المعاصر، حتى لا أحدد أكثر ونتيه في التأويلات والمزايدات في فترة إن لم تزايد فيها على غيرك يستنقص منك شيء ما...


على ما أتذكر، تدور الأحداث في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) بمدينة البصرة قبيل اندلاع ثورة الزنج تحت قيادة ذاك الداعية المتقلب الأهواء والتحالفات والانتماءات علي بن محمد الذي كان شخصية درامية طريفة تناولها كاتبنا الكبير عز الدين المدني في مسرحيته الشهيرة «الزنج»... فنتيجة للنفوذ المتزايد لطبقة الغلمان والمرتزقة الأتراك الذين تعهدوا الأمن والملذات ببغداد وتضاعف نفوذ البرامكة وكثرة الانقلابات داخل القصور العباسية للفترة الوسطى وتدهور الحالة الاقتصادية في بقاع الخلافة مع تشتت أوصالها وانعزال الخليفة العباسي المعتصم بالله وتأثير حاشيته المميت، تأثير أبعده عما يكون الحياة العامة رغم «وامعتصماه» الشهيرة، نتيجة هذا الانفلات كله ليس فقط في حاضرة الخلافة، بغداد، بل في كل المدن العباسية الكبرى، ناهيك عن العبيد الأصليين الذين سيكونون رحى ثورة الزنج تلك... بدأت علامات أفول الخلافة العباسية وانطفاء أنوارها مع انطفاء أبو تمام والبحتري والمتنبي إلى أن يأتي القرن الرابع الهجري مع معريه وجاحظه ومعتزلته وغيرهم...




الشيخ والمخطوط



وتقول النادرة، أن من بين رجال العلم المتواضعين الذين ابتعدوا عن السلطان وتزواته، نذروا حياتهم لحلقات التدريس وربط الصلة بين المعارف وإرساء الممرات بين الفنون والمحافظة على إشعاع بغداد رغم تدهور الأحوال الاقتصادية وانتشار الظلم التركي واستغلال العبيد وعبودية الأحرار من العرب ولهو الخليفة بين جواريه وغلمانه، يوجد شيخ تعدى عمره العقد الخامس، فابيضت لحيته وانسدلت على صدره الهزيل وسقط شعره رغم عمامته المتواضعة وهرمت قامته رغم عنايته بنفسه واهتمام زوجته به ولم يقلل كل ذلك من طيبته المعاينة وولعه بالمعرفة واقتصار ايامه ولياليه على المحافظة على العقد الفريد بينه وبين مرتادي حلقته...

غير أن الشيخ لم يهدأ له بال ما لم يضع يده على مخطوط فريد في علم الأجرام قيل أن جالينوس ألفه ولم يترجم للعربية رغم حملة المأمون وبيت حكمته، فأعلم الشيخ كل الوراقين والخطاطين والرحالة والمارين ببغداد بطلبه وتوسل إليهم أن يمدوه بالمخطوط إن وجدوه وسيدفع لهم ما يطلبوه...

ومرت الأشهر والشيخ يتمنى وأماله تنمحي كل يوم يمر فيها ولم يحصل على ضالته فيما طلبته لا علم لهم بتمنياته... وذات يوم، وهو يحاضر في تحليلات منطق ارسطاطاليس والتفنيد السفسطائي وإذ بغلام يدخل عليه حلقته ويعلمه أن سيده وضع اليد على ضالته... وما أن استمع الشيخ لما استمع إلا وهرع خارج الحلقة وكأنه شاب في العشرين راكضا بين السبل وجحافل الأتراك وتجمعات الفقراء والمساكين وخانات التجار، ركض نحو محل الوراق... والغلام يلهث وراءه غير قادر على اقتفاء إثره حتى كاد يقع على وجهه من شدة الهرولة...



الخروج عن المعرفة



وما أن دخل محل الوراق إلا ورحب به الأخير وهدأ من روعه وأعلمه ان المخطوط موجود وأنه سيمده إياه لحين ينتهي من تلبية طلبات أحد الأعيان الجالس بين الكتب ومخطوطات البردي ينظر إلى هذه فيتمعن في لون ورقها ويطلب تلك دون حتى النظر فيها... وهو على هذه الهيئة من التمعن وإذ به يتفطن إلى لهف الشيخ ورغبته الملحة في الحصول على أمر يرغب فيه... سأل الوراق فأجابه هذا الأخير بلياقة وأدب أن الشيخ يترقب منذ زمن بعيد مخطوطا لطلبته حول الأجرام... تملكت بالأمير رغبة التطفل فطلب المخطوط... فجاءه به الوراق والشيخ ينظر من بعيد... أخذ الأمير المخطوط فقلبه على أوجهه وتكهن مقاساته وتصفح خطه وعاين حبره وتمعن في لون ورقه الأصفر الفاتح وغلافه المذهب... والشيخ من بعيد ينظر... سأل الأمير عن سعر المخطوط، فقال الوراق أنه للشيخ بطلب ملح منه... قال الأمير أنه يريده، فقال الوراق أنه ليس للبيع... فتدخل الشيخ وقال أنه يبتغيه وقابل لشرائه... فقال الأمير أنه يريده بالمبلغ الذي يطلبه الوراق... قال الوراق أن الشيخ حدد المبلغ بعشرين دينارا... قال الأمير أنه قابل لأن يدفع فيه ضعف ذلك... قال الشيخ أنه يدفع فيه خمسين دينارا... أضاف الأمير أنه يدفع فيه ضعف ذلك... وحينما رأي الشيخ أن الأمر سينفلت منه قال أنه يدفع فيه مائة وعشرة دنانير... دون أن ينظر الأمير لا للوراق ولا للشيخ وهو ممسك بالمخطوط يقلبه ويمسح عليه براحة يده، قال أدفع فيه ضعف ذلك... واصفر وجه الشيخ وشحب وجه الوراق... مائتان وعشرون دينارا مقابل مخطوط عن الأجرام، فذلك ما لم تره بغداد من قبل... وأمام إلحاح الأمير وإصراره الثابت سأله الشيخ وقد بدت علامات التعجب ترتسم على وجهه المصفر: سيدي، قد لا تعلم والوراق يعلم أني لطالما انتظرت هذا المخطوط منذ أشهر ولم أعلم أنكم تريدونه أيضا، أتهتمون بشؤون الأجرام وحركة الكواكب؟ أجاب الأمير: معاذ الله، فتلك مشيئة الرحمان وليس لي فيها أي غرض... قال الشيخ : أنا أطلب المخطوط لطلبتي وأبحث عنه وأنت لا تهتم له وترغب فيه، فما السبب؟ قال الأمير وهو يضع المخطوط بجانبه: وددت أن أتركه لك ولطلبتنا ولكن لا أقدر مع الأسف لأن مقاساته ولون غلافه يتجانسان مع كوة فارغة بهذا الحجم في مكتبة بهذا اللون في فضاء الإخلاص في قصري الجديد بضاحية بغداد الشمالية...

شهق الشيخ عند سماع الأمير، فلم ينبس بكلمة. نظر إليه نظرة رجل سقطت منه تسعة أعشار من الأمل والإيمان بالعلم... فاستدار ورجع خطاه ليس إلى حلقة ذكره بجامعه ودروسه ولكن إلى داره... ومن يومها لم نسمع قط عنه وما آل إليه مصيره. أما المخطوط، فقد تم ترميمه وحفظ من بين مجموعة الأمير فلان بن فلان، «راعي الأدب والفنون» في عصر الخليفة المعتصم بالله، غالب ثورات الزنج والخرمية والطالقان... أما الشيخ، فهناك من قال أنه هاجر بغداد إلى بلاد الروم وهناك من قال أنه هجر التعليم وهناك من قال أنه هجر المعرفة جملة وتفصيلا. ولم نسمع عن الشيخ، صاحب حب المعرفة والتفاني في إسدائها ولم يذكر اسمه إلا في هوامش بعض الدراسات المختصة والنادرة حول علم الفلك عند العرب...

إعلامي تونسي

maiskhe@gmail.com
صحيفة الصباح التونسية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://tablat.yoo7.com
 
خميس الخياطي : وتسقط المعرفة في المزاد العلني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات تابلاط أون لاين :: المنتديات العامـة :: آخر الأخبار في الجزائر و العالم-
انتقل الى: