ليس غريبا على جزء كبير من الإعلام الغربي أن يسارع بعد التفجيرين الإرهابيين الجبانين اللذين تعرضت لهما النرويج، مساء أول أمس، إلى ''مسح الموس'' في الإسلام والمسلمين، مع إضافة نعتي ''المتطرف'' و''المتطرفين'' طبعا، تمييزا ودفعا لتهمة التعميم والعنصرية. ليبقى المسلمون عند هؤلاء متهمين حتى وإن ثبتت براءتهم، متهمين في البدء وفي الختام، متهمين في المطلق.
وليس غريبا على هذه المساحة الواسعة من الإعلام الغربي أن تهب لتحديد الجاني قبل التنقل إلى مسرح الجريمة والتحقق من ملابساتها والسؤال عن تفاصيلها، ضاربة عرض الحائط بأبسط قواعد المهنة وأخلاقها، فقد عودنا عرابو صناعة الرأي العام وجهابذة السلطة الرابعة على إعطاء الدروس تحت شعار ''افعلوا ما نقول ولا تفعلوا ما نفعل''.
أما الغريب في الجريمة الآثمة التي تعرض لها الشعب النرويجي الآمن، فهو التعاطي المحتشم لنفس الإعلام مع شخصية الجاني الحقيقي، وفق ما أعلنته حكومة أوسلو رسميا، ومع ميولاته العقيدية المسيحية اليمينية المتطرفة، وهذا لعمرك الغباء بعينه والوقاحة تمشي على قدمين، فما أشبه حالتهم تلك بحال الساعي إلى ستر عورته بقطعة زجاج شفافة، وبحال من أراد تغطية الشمس بالغربال.
فالمسيحي المتطرف يقف وراء تفجيري النرويج، كما أن مسيحيا متطرفا يقف وراء العملية الإرهابية بأوكلاهوما في أمريكا، أما المنتسبون إلى طائفة ''أوم'' اليابانية فيقفون وراء الهجوم على ميترو طوكيو بالسلاح الكيماوي، وإذا أضفنا إلى هؤلاء ما يفعله المتطرفون اليهود بالشعب الفلسطيني، وما فعله المتطرفون الإينجيليون بقيادة جورج دابليو بوش في العراق وأفغانستان، وما فعله المتطرفون الشيعيون ممثلين في ''الخمير الحمر'' بالشعب الكمبودي.. إنه تأكيد، وللمرة المليون، على أن الإرهاب لم يكن في يوم من الأيام لصيقا بالإسلام ولا مرادفا له، وإنما هو النتيجة الحتمية للتطرف في الأفكار والعقائد والنظرة إلى العالم والحياة مهما كان الدين أو الأيديولوجيا.. إنها الحقيقة الساطعة التي يحاول الجزء الأكبر من الإعلام الغربي حجبها عن الناس، في سلوك انتحاري يهدد الغرب نفسه بالمزيد من الدم والدمار.
اعتمد هؤلاء الأفاقون لسنوات طويلة على نظرية جوزيف غوبلز، وزير دعاية هتلر، زعيم المحور، التي تقول: ''اكذب على الناس حتى يصدقوك''، لكنهم نسوا حكمة وينستون تشرتشل، أحد زعماء الحلفاء، التي تنبه إلى أنك ''تستطيع أن تكذب على كل الناس في بعض الوقت، وتستطيع أن تكذب على بعض الناس في كل الوقت، لكنك لا تستطيع أن تكذب على كل الناس في كل الوقت''.. ويسجل التاريخ أن الحرب العالمية الثانية انتهت بانتصار باهر للحلفاء على المحور.