أقوى عبارة في برنامج الحكومة مر عليها النواب مرور الكرام
سلال يتحدث عن خطر ''أياد خبيثة'' في مخطط إزالة الأوساخ
الأحد 30 سبتمبر 2012
الجزائر: محمد شراق
أقوى عبارة وردت على لسان الوزير الأول عبد المالك سلال، لدى عرضه مخطط الحكومة، القديمة-الجديدة، تحدثت عن ''بناء جبهة داخلية قوية''، بررها المسؤول التقنوقراطي بمنع تسلل ''أياد خبيثة''.
العبارة وبقدر قوتها، بقدر حجم التساؤل حيال ما كان خليفة أويحيى يعنيه بها، وإن كان المعنى ''السطحي والواضح'' يحيل إلى إقرار بوجود ''مؤامرات'' تحاك ضد البلد، الذي يعتبر، تقريبا، الوحيد الذي نجا مما بات يسمى عالميا ''الربيع العربي'' ومحليا ''أضحوكة الربيع العربي''.
إذا ما سلمنا بأن قوة عبارة سلال، وإن كان أغلب النواب لم يعطوها حجمها الحقيقي، بدليل أنه ولا نائب استوقف الوزير عند هذه العبارة وما المقصود منها -وهذا يتطلب حديثا آخر عن كفاءة النواب- أنه يريد بها القول إن ''الممانعة الداخلية'' المعبر عنها بأداة ''الجبهة الداخلية''، ضد ''المؤامرة الخارجية''، يستدعى توافقا وطنيا يجمع كل القوى الحية في البلاد، في شكل جبهة وطنية تستجمع الآراء المتوافقة والمتخالفة والمتجانسة وغير المتجانسة لتحقيق هدف منع تسلل ''الأيادي الخبيثة''.
وإذا سلمنا بصواب ''حكمة'' الوزير الأول، رغم أنه تقنوقراطي وليس سياسيا يجيد بدقة رهانات الواقع الإقليمي مثل أويحيى مثلا، فإن ما ساقه في مخطط حكومته، يقر بـ''خطر'' يواجه البلاد، ويتطلب صلابة داخلية لرد عدوان خارجي، سياسي كان أو دبلوماسي أو حتى عسكري.
بيد أن تناقضا يقف عليه سلال، عندما يدعو إلى جبهة داخلية لمنع تسلل الأيادي الخبيثة، لا يترجم إلا سياسيا، يكمن في وقوف السلطة على مسافات بهوة شاسعة بين الآراء المتجانسة المعبر عنها من قبل ''أحزاب السلطة'' وبين الآراء المضادة المعبر عنها من قبل أحزاب المعارضة التي يدعو بعضها إلى ''حكومة وفاق وطني''، وهي الحكومة التي دعا إليها سلال من دون أن يدري لما تحدث عن ضرورة إرساء ''جبهة داخلية''. أما إذا كان الوزير الأول يبتغي منع تسلل الأيادي الخبيثة بالاعتماد فقط على أحزاب الموالاة، فلا يمكن لمبتغاه أن يتحقق، والتجربة الجزائرية منذ سقوط البلاد في دوامة الدم والدمار أظهرت ذلك بجلاء.
عكست دعوة الوزير الأول مدى حاجة البلاد إلى وفاق وطني حقيقي وجاد، يتحقق لما تزول كل شوائب ''الثقة المفقودة'' بين الفاعلين السياسيين و''غير السياسيين''، تؤول إلى بناء ''جبهة داخلية متينة''، يتهاوى فيها حتى تفكير أصحاب الأيادي الخبيثة على التربص بالبلاد، بحيث لن تكن أمامهم الحاجة لأن يرهقوا أنفسهم بمؤامرات ''فاشلة'' مسبقا.
لكن ولما ترتبط دعوة سلال بشق آخر في مضمون مخطط الحكومة نفسه، ثم بمحتوى برنامج وزارة الداخلية، يظهر وجه الغرابة بمفارقة تفيد بأن مخطط الحكومة المبني على ''فزاعة'' الأيادي الخبيثة، كمصطلح كان إلى وقت قريب مجرد شماعة يفسر بها اضطرابات داخلية، ترتبط بـ''فزاعة'' جديدة، استجمع لها الوزير ولد قابلية ولاة الجمهورية، هي ''فزاعة الأوساخ''. والحقيقة أن الأوساخ المهددة للصحة العمومية، مهددة كذلك للأمن القومي، الحفاظ عليه مرهون بمدى قدرة البلد على مجابهة المؤامرات الخارجية، ويرتبط حجم هذه القدرة بالظرف السياسي الداخلي والوضع الإقليمي والدولي، الذي صار متغيرا من متغيرات السياسة الداخلية لأي بلد.
هناك إجماع يفيد بأن ''تعزيز الجبهة الداخلية'' لن يكون إلا بحوار سياسي واجتماعي، على طاولة أطرافها الأحزاب والنقابات وممثلي المجتمع المدني، وتظهر الحاجة الملحة لانسجام ''المتناقضات'' اعتبارا من ''شكوك'' بشأن قدرة البرلمان الحالي على تشخيص العلة، غير أن خلو مخطط الحكومة من الدعوة إلى إشراك كل الأطراف حقيقة، وفي ظل إرهاصات اجتماعية، معبر عنها بلغة الاحتجاجات والإضرابات لن تجعل من مهمة سلال مهمة ناجحة، حتى وإن كان الجميع متيقن بأن تقوية الجبهة الداخلية لا يكتب له النجاح إلا إذا لطفت الأجواء الاجتماعية، بتلبية الحد المعقول من مطالب النقابات، وتطهير الجبهة السياسية من أحزاب الرداءة والانتهازية والوصولية.
عدد القراءات : 8139 | عدد قراءات اليوم : 7154
جريدة الخبر الجزائرية