تعتبر الملاريا واحدة من أقدم الأمراض التي عرفتها البشرية وبالتأكيد كانت واحدة من أكثر الأمراض فتكا بالبشر. وتم العثور على الحمض النووي الخاص بالطفيلي في هياكل المومياءات العظمية. وحتى اليوم، ما زال المرض يقتل ما يقرب من 850 ألف شخص سنويًا، وأغلبهم من النساء والأطفال تحت سن الخامسة.
وبالمقارنة مع فيروس نقص المناعة المسبب لمرض الأيدز يعد طفيلي الملاريا أقل تعقيدًا. فمن الناحية النظرية، كل ما يحتاجه المرء لمنع نقل البعوض طفيلي الملاريا هو استخدام كلة ناموسية تثبت فوق السرير، إضافة إلى اخذ دورة حبوب لا تزيد تكاليفها عن 8 دولارات لتقليل مخزون ما يحمله الأشخاص الحاملين من طفيليات الملاريا.
لكن هذا الأمر لم يتحقق مثلما هو الحال مع وباء الجدري الذي انتهى تمامًا في عام 1979. فما هو السبب وراء ذلك ؟
يعود أحد أسباب العجز في هزم الملاريا إلى تطور مقاومة الطفيلي لعقار "كلوروكواين" الذي استخدم للعلاج، لكنه ابتداء من الستينات من القرن الماضي بفقدان فاعليته. وخلال الثمانينات من القرن السابق حدث الشيء نفسه مع عقاري فانسيدار ولاريوم.
واليوم تردد التقارير الصحفية من الحدود التايلاندية الكمبودية عن تزايد مقاومة طفيلي الملاريا لعقار الارتيمينيسين الذي يعد أهم مكون لمعالجة بالمرض. وإذا كان هذا العقار سيتبع خطى سابقيه مثل كلوركواين وفانسيدار فإن مقاومة الطفيلي ستنتشر في شتى انحاء العالم وهذا ما سيقوض جهود منظمة الصحة العالمية بإنهاء حالات الوفاة من المرض قبل انتهاء عام 2015.
لكن روي تشامبر المبعوث الخاص للامم المتحدة للملاريا ما زال متفائلا. فهو يشير إلى ما تحقق في بلدان تعد موبوءة بالمرض اثيوبيا وغانا ورواندا وزامبيا وكيف أن توزيع العقاقير والكلل الناموسية قلل من حالات الوفاة بنسبة 70%. وفي زنجبار حيث هبطت نسبة الوفيات إلى 0% مما سمح للمسؤولين بالتكلم عن "إزالة المرض". ومع تمويل يصل إلى ملياري دولار يشعر تشامبر بالثقة بتحقيق الهدف بتوفير الكلل الناموسية على مستوى العالم كله قبل انتهاء عام 2010 وبلوغ نسبة الوفيات إلى الصفر قبل انتهاء عام 2015.
مع ذلك يظل الفساد أحد المعوقات لإيقاف هذا المرض الفتاك عند حده في أكثر بلدان افريقيا فقرًا. فالكثير من التبرعات المتمثلة بالعقاقير والكلل الناموسية التي يقدمها الغرب تتم سرقتها على يد موظفين صحيين محتالين وبيعها في السوق السوداء في بلدان مثل أوغندا. وهذا ما دفع منظمة "الصندوق الدولي لمحاربة الايدز والسل والملاريا" إلى إيقاف منحها التي تبلغ نحو 200 مليون دولار إلى هذا البلد بعد بروز شائعات فساد تورط فيها ثلاثة مسؤولين حكوميين. وفي كينيا وتنزانيا تدور الشكوك بقيام مسؤولين حكوميين بسرقة العقاقير التي تبرعت بها مؤسسات دولية على الرغم من أنها ليست بنفس الدرجة التي جرت وفقها في أوغندا.
وإذا كان التوصل إلى لقاح هو أفضل سلاح لإيقاف الوباء فإنه لا أحد يتنبأ بتحققه قريبا. فحسب صحيفة الديلي تلغراف تمتلك فصيلة "بلازموديوم فالسيباروم" الذي يعد أكثر الفصائل فتكًا من بين فصائل طفيلي الملاريا 5000 جين وبالمقارنة مع فيروس نقص المناعة البشرية "أتش آي في" فإن الأخير لا يمتلك سوى 9 جينات.