لم يوقف الإعلان عن المشاريع التنموية الخاصة بولاية سيدي بوزيد، الواقعة على بعد 256 كلم جنوب تونس، الأحداث العنيفة التي بدأت قبل أكثـر من أسبوع. إذ توسعت دائرة الاحتجاجات العنيفة التي تشهدها بعض المدن التونسية، أمس، إلى العاصمة، فيما قتل شخص وأصيب 10 آخرون في مواجهات بين الشرطة التونسية والمحتجين في مدينة منزل بوزيان.
شارك المئات من التونسيين في العاصمة تونس، أمس، في مسيرة تضامنية مع سكان مدينة سيدي بوزيد ومنزل بوزيان للمطالبة بإطلاق سراح كامل المعتقلين في الأحداث والتحقيق في أسباب استعمال الشرطة للرصاص الحي أول أمس، في منزل بوزيان، ما أدى إلى مقتل شاب، أصيب برصاصة. ونظم المسيرة الاتحاد التونسي للشغل، لكن الشرطة التونسية منعت المسيرة من الوصول إلى الشارع الرئيسي في العاصمة التونسية، وبقي المتظاهرون في الشارع الذي يحتضن مقر اتحاد الشغل، ورفعوا شعارات تطالب بالحق في العمل لخريجي الجامعات والحد من الارتفاع الجنوني للأسعار وبرفع الإكراهات الأمنية والتضييق على الحريات في تونس. واعتبر سليمان الرويسي، عضو اتحاد الشغل التونسي، أن هذه المسيرة ''تعد رسالة تضامن مع سكان سيدي بوزيد والمناطق القريبة منها، وتأكيدا على تقاسم مجمل التونسيين لنفس المشاكل التي عجز النظام عن حلها فبادر إلى الحلول الأمنية السهلة والتضييق على الحريات العامة والمطلبية''. وهي الحلول التي اعتبرها النقابي التونسي ''استفزازية وغير مفيدة ومجرد هروب إلى الأمام، بدلا من مواجهة المشاكل بحلول واقعية''.
واعتبر المشاركون في المسيرة أن هذه الأحداث تعد بطاقة صفراء ترفع في وجه النظام التونسي، بالنظر إلى امتدادها بشكل عفوي مكانا وزمانا، وكونها مؤشرا بارزا على بداية خروج التونسيين من حالة التحفظ والخوف من السلطة وردة فعلها، وحذروا من إمكانية تطور الأمور إلى مرحلة قد تصعب معالجتها والتحكم فيها.
وإذا كان الهدوء الحذر مازال يميز منطقة سيدي بوزيد وشوارعها الرئيسية كالسابع من نوفمبر والحبيب بورفيبة والشابي، إلا أن الاضطرابات تجددت بشكل أكثر عنفا، مساء أول أمس، في منطقة منزل بوزيان القريبة من مدينة سيدي بوزيد، عندما أقدم عشرات المحتجين على اقتحام مقر التجمع الوطني الدستوري، الحزب الحاكم، ومحاصرة مركز للحرس الوطني والشرطة التونسية، ردا على استفزازات من قبل الأمن التونسي، عندما حاول منع تجمّع للشباب البطال، وأضرم المحتجون النار في أربع حافلات صغيرة تابعة للشرطة، إضافة إلى تخريب عربة قطار للنقل التجاري، ما دفع بالسلطات التونسية إلى نقل تعزيزات أمنية إضافية من سيدي بوزيد إلى منطقة منزل بوزيان. واضطرت الشرطة التونسية إلى استعمال الرصاص الحي لفك الحصار الشعبي على مقر الحرس الوطني، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة 10 أشخاص بجروح، بينهم عناصر من الشرطة.
واعترفت السلطات التونسية بالحادث، غير أن بيان وزارة الداخلية التونسية قلل من عدد المصابين في أحداث منزل بوزيان، وأعلنت عن ''مقتل شخص وإصابة اثنين من بين أولئك الذين هاجموا رجال الشرطة، وإصابة عدد من رجال الأمن، اثنان منهم في غيبوبة''.
وأغلقت الشرطة التونسية، أمس، مدينة منزل بوزيان ومنعت الدخول والخروج منها، كما منعت الصحفيين التونسيين والأجانب من تغطية أحداث منطقة سيدي بوزيد وفرضت حظرا إعلاميا على المنطقة، وطلبت من الصحفيين مغادرة المدينة فورا وإلا تعرضوا للاعتقال. كما هددت بمصادرة آلات التصوير وأجهزة الصحفيين في حال عدم إسراعهم بالمغادرة، في محاولة للتخفيف من تأثيرات هذه الأحداث على صورة تونس التي تسوقها السلطات، خاصة وأن هذه الأحداث جاءت في توقيت جد حساس بالنسبة للسياحة التونسية تزامنا مع أعياد رأس السنة.
وأدان الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض، في بيان حصلت ''الخبر'' على نسخة منه، استعمال قوات الشرطة التونسية للرصاص ضد المتظاهرين ونبه إلى خطورة ما اعتبره ''سابقة في الرد على المواطنين العُزل بالرصاص الحي، لهو درجة متقدمة من سياسة النعامة في مواجهة الحركة الاحتجاجية المتسعة في ولاية سيدي بوزيد، والتمادي في المعالجة الأمنية للأزمة الاجتماعية الحالية''.
مسؤول اتحاد الشغل في سيدي بوزيد لـ''الخبر''هذا منعطف كبير في حياة المواطنين التونسيين قال علي الهادي، عضو الاتحاد المحلي للشغل في سيدي بوزيد، في تصريح لـ''الخبر''، إن الأحداث العنيفة التي شهدتها منطقة سيدي بوزيد والمناطق المجاورة وبرغم التجاوزات التي شابتها، إلا أنها تشكل تحولا كبيرا فيما يتعلق بشجاعة التونسيين في المطالبة بحقوقهم الاجتماعية، وبداية تلاشي الخوف من السلطات. وأكد أن هدوءا حذرا يسود مدينة سيدي بوزيد ومنزل بوزيان بعد المواجهات المفتوحة بين السكان المحتجين على البطالة وظروف المعيشة وقوات الأمن والشرطة. وقال الهادي إن الشباب من خريجي الجامعات العاطلين عن العمل شكلوا، أمس، لجنة تمثيلية لمطالبة السلطات التونسية بتوفير مناصب شغل لهم. وأكد المتحدث أن العاملين في حراسة الحظائر وبعض المهن المتواضعة ممن يتقاضون رواتب لا تزيد عن 120 دينار شهريا نظموا اعتصاما للمطالبة بتحسين ظروف المعيشة في ظل الارتفاع الكبير للأسعار، التي ترتفع كل شهر، مشيرا إلى أن الاحتجاجات ستتواصل سواء في سيدي بوزيد ومنزل بوزيان، مادامت السلطات لم تسارع إلى حل المشاكل الاجتماعية والحد من اللجوء دائما إلى الحلول الأمنية موضحا ''قد تهدأ الأمور نسبيا لكن الوضع يبقى قابلا للانفجار في أي لحظة، ما دامت المسببات نفسها حاضرة''.
نسخة للطباعة جريدة الخبر الجزائرية المستقلة