العملية الإرهابية لم تخرج عن المجال الجغرافي العادي لنشاط التنظيم
دروكدال يدفع بالانتحاريين لكسر الطوق الأمني المفروض على معاقله
لم تخرج العملية الانتحارية التي نفذها إرهابيان ببرج منايل عن منطقة النشاط العادي لتنظيم دروكدال، وهي منطقة القبائل، بجاية وبومرداس، وهو ما يجعلها محاولة لفك الخناق والحصار المضروب على عناصره من قبل قوات الأمن، أكثر منها محاولة لإظهار قوة تجنيد جديدة لدى التنظيم الإرهابي.
فقد تنظيم دروكدال اثنين من عناصره في التفجير الانتحاري المزدوج دون أن يحقق أهدافه التي رسمها من وراء عودته للعمليات الانتحارية، بحيث لم يتمكن من الوصول إلى مقر الشرطة بسيارته المفخخة، ولم يستطع الانتحاري الثاني الذي أراد قتل أكبر عدد من المواطنين الأبرياء الذين كانوا متواجدين بالموقعة من تحقيق مهمته هو الآخر، بعدما تفطن له عناصر الشرطة وفجّروا عبوته الناسفة وتفكيك أخرى كانت موضوعة بالقرب من مسرح العملية. هذه المعطيات تؤشر أن العملية التي خطط لها أبو مصعب عبد الودود منذ عدة أشهر، كرسالة منه على أن تنظيمه الدموي ما يزال قويا ومتماسكا رغم الضربات الموجعة التي تلقاها، كانت فاشلة بكل المعايير. يحدث هذا بالرغم من أن مكان العملية الانتحارية لم يخرج عن مساحة تواجد ونشاط تنظيم دروكدال، وهي منطقة القبائل ومحور بومرداس، وهو ما يعني أنه غير قادر على نقل مواجهته مع قوات الأمن خارج هذا المربع الجغرافي. ويكون فشل محاولات دروكدال لبعث خلايا إرهابية جديدة في مناطق مثل سكيكدة، برج بوعريريج والمسيلة التي تمكنت عناصر الأمن من القضاء عليها بمجرد ظهورها وتفكيك شبكات دعمها، وراء برمجة هذه العملية الانتحارية في برج منايل لكسر الطوق الأمني المضروب عليه والذي يحول دون تحركاته في بقية الولايات.
لكن التوقيت الذي اختاره التنظيم لمحاولة التصعيد من اعتداءاته الإرهابية من خلال اللجوء مجددا لاستعمال السيارات المفخخة، يحمل في طياته بعض الدلائل، منها أنه يحمل رسالة تهديد على أن شهر رمضان الذي لم يعد يفصل عنه سوى أسبوعين فقط، قد يستغله الإرهابيون لتنفيذ عملياتهم الدموية، خصوصا بعدما قال وزير الداخلية إنه ليس هناك مخطط أمني خاص بالشهر الكريم.
كما تزامن توقيت هذه العملية الانتحارية مع انتهاء مشاورات سياسية أثارت الكثير من الجدل وسط الطبقة الحزبية التي انقسمت بين مرحبة ومقاطعة لها، وهو ما خلق نوعا من الاحتقان السياسي على النحو الذي دفع رئيس الجمهورية إلى ترك المجال مفتوحا أمام الراغبين في تقديم مقترحاتهم السياسية. ولا يستبعد أن وراء محاولة التصعيد الأمني لعناصر تنظيم دروكدال السعي لطرح أنفسهم كورقة تفاوضية في أي تسوية سياسية أو برنامج عفو مقبل، خصوصا في ظل بداية تلاشي تنظيم القاعدة الأم بعد القضاء على زعيمها أسامة بن لادن. كما أن هذا الضغط الإرهابي جاء في ظل دعوات حزبية طالبت بمنع من تلطخت أيديهم بدماء الجزائريين من تأسيس أحزاب سياسية، في سياق مراجعة قانون الأحزاب الجديد الذي تعكف وزارة الداخلية على تحضيره للدورة الخريفية للبرلمان شهر سبتمبر المقبل، وهو ما يعني غلق الباب كلية أمام بقايا الحزب المحظور من العودة للنشاط السياسي. ومن هذا المنطلق ليس غريبا أن يسعى الإرهابيون إلى استغلال حالة الاحتقان الاجتماعي والاحتجاجات الجارية في البلاد، وكذا انشغال المواطنين بتحقيق مطالبهم ونقص اليقظة لديهم، لتنفيذ عمليات إرهابية من الصعب القيام بها في الظروف العادية.